فصل: مسألة يبيع أرضا أو دارا لولده في حجره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة العبد تكون تحته الحرة الحجر عليها في مالها:

ومن كتاب الوصايا والأقضية:
قال أصبغ: سألت ابن وهب عن العبد تكون تحته الحرة، الحجر عليها في مالها إلا في الثلث، كما أيحجر الحر على امرأته إلا في ثلثها. قال: وما للعبد وما لها؟ قلت: إنها زوجته، فالمولى يرثها، وليس له على مالها سبيل، ليس له أن يحجر عليها، قيل له: أيتصدق بمالها؟
قال: نعم..
قلت له: لعله يعتق يوما ما.
فقال: والله ما اجتمع الناس في الحر رأسا.
قلت: أفليس ذلك رأيك في الحر أنه يحجر على امرأته في مالها إلا في الثلث؟
قال: ذلك أحب إلي.
قلت: فالحر تحته الأمة يحجر عليها؟
قال: ما للحر وما للأمة؟ الأمة مالها لسيدها. ألا ترى أن الأمة لا تختلع من زوجها إلا بإذن سيدها؟
قال أصبغ: ليس قوله في الحرة تحت العبد بشيء، ذلك له، وهو زوج وهو حق من حقه.
قال: وقال مالك في رواية أشهب وابن نافع مثله، ورواية أبي زيد عن ابن القاسم مثل رواية أشهب وابن نافع عن مالك.
قال محمد بن رشد: وقعت رواية أشهب هذه في أول سماع أشهب من كتاب النكاح كاملة، ورواية أبي زيد في سماعه من كتاب الصدقات والهبات، وذلك أظهر من قول ابن وهب؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من مالها بغير إذن زوجها»، فعم ولم يخص زوجا من غير زوج، ولا حرا من عبد، فوجب أن يحمل قوله على عمومه، لاسيما إذا كان لذلك وجه من النظر، وهو ما ذكره في سماع أشهب، وبالله التوفيق.

.مسألة الميت يثبت عليه الدين فيجد الوصي براءة منه بشاهد واحد والورثة صغار:

قال أصبغ: سألت أشهب عن الميت يثبت عليه الدين فيجد الوصي براءة منه بشاهد واحد، والورثة صغار. قال: يحلف الطالب أنه ما قبض، فإن حلف دفع إليه المال وعجل له، فإذا كبر الصغار حلفوا، فإن حلفوا استرجعوا المال. قال أصبغ: هي جيدة حسنة.
وكذلك لو كان الدين لهم عليه بشاهد واحد حلف، فإن حلف برئ إلى مبلغهم.
وهذا قول مالك وابن القاسم في هذا، فالآخر مثله.
قال الإمام القاضي: قوله: فإن حلف الطالب دفع إليه المال، يدل على أنه لا يؤخذ منه، فيوقف إذا حلف في المسألة الأخرى، وهو دليل قول أصبغ فيها: فإن حلف برئ إلى مبلغهم على ما قد ذكرناه في رسم البيوع من هذا السماع.
وقد قيل: إنه يؤخذ منهم فيوقف حتى يكبر الصغار فيحلفوا مع شاهدهم. ومعنى ذلك إذا خيف عليه العدم.
وقد مضى القول على هذه المسألة فيما تقدم من هذا السماع، ومن رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من كتاب الشهادات فلا معنى لإعادته، والله الموفق.

.مسألة أوصى فقال لفلان في هذا الكيس مال:

وسئل: عن رجل أوصى فقال: لفلان في هذا الكيس مال، فقال: أما أنا فأرى أن يعطى عشرين دينارا؛ لأن عشرين دينارا تجب فيه الزكاة، فهي مال، قيل له: أرأيت إن كان فيه مائتا درهم، أترى أن يعطاها؟ قال: نعم بعد أن يحلف.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة، وجهها: أن الله تبارك وتعالى إنما سمى مالا من الأموال ما تجب فيه الزكاة منها، وذلك أنه قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، وعنى بذلك المقادير التي تجب فيها الزكاة بما بينه على لسان رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله: «ليس فيما دون خمس أواق من الورق زكاة» وليس في عشرين دينارا ناقصة بينة النقصان زكاة، فوجب إذا قال الموصي في وصيته: يعطى فلان من هذا الكيس مال أن يعطى منه أقل ما سماه الله مالا، وهو عشرون دينارا إن كان فيه ذهب، أو مائتا درهم إن كان فيه ورق، وإذا قال له فيه مال أن يعطى عشرين دينارا إن كان فيه دنانير، أو مائتي درهم إن كان فيه دراهم، بعد يمينه على ما ادعى إذا ادعى أن له فيه عشرين دينارا أو أكثر، أو مائتي درهم أو أكثر باتفاق، إن كذبه الورثة وادعوا أن حقه فيه أقل من ذلك، أو على اختلاف إن قال الورثة لا نعلم مقدار ما فيه ونحن نتهمه فيما ادعاه، وكذلك إن ادعى أن له فيه أقل من عشرين دينارا أو أقل من مائتي درهم، فيكون له ما ادعى من ذلك بعد يمينه على ما ادعاه باتفاق، إن كذبه الورثة، أو على اختلاف إن لم يكذبوه واتهموه. وبالله التوفيق.

.مسألة قال كان بيني وبين فلان معاملة فما ادعى من شيء أعطوه وهو فيه مصدق:

ومن كتاب الوصايا الصغير:
قال أصبغ: قيل لابن القاسم: فإن أوصى فقال: كان بيني وبين فلان معاملة، فما ادعى من شيء أعطوه، وهو فيه مصدق.
فقال: إن ادعى ما يشبه معاملة مثله لمثله أعطيه، وأحسبه رواها عن مالك.
قال ابن القاسم: ويكون ذلك من رأس المال.
قال: وليس كل الناس في قلتها وكثرتها سواء.
قال: وإن ادعى ما لا يشبه بطل ذلك فلم يكن في رأس مال ولا ثلث.
قال أصبغ:
وإنما يبطل عند ذلك الزيادة على ما يشبه، ولا يبطل عنه كل شيء، يعطى ما يشبه مما لا يتبين فيه كذبه، ويحمل محمل الشهادة له وعليه.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها إلا في اليمين، فإنه سكت عنها.
وقد اختلف في وجوبها حسبما مضى القول فيه في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم، ورسم أسلم من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. وقول أصبغ مفسر لقول ابن القاسم، لا خلاف له.
ولو قال: أعطوه ما ادعى واحسبوه من ثلثي، لكان له ما ادعى وإن لم يشبه ما لم يتجاوز الثلث، وبالله التوفيق اللهم لطفك يا مولاي.

.مسألة يبيع أرضا أو دارا لولده في حجره:

ومن كتاب الكراء والأقضية:
وسمعته يقول في الذي يبيع أرضا أو دارا لولده في حجره، والأب مليء أو مفلس أو سفيه أو لا بأس بحاله، قال: إن كان الأب ليس بسفيه ولا مولى عليه جاز بيعه، ولم يكن للابن أن يرده إن كبر إذا كان نظرا له، ويتبع أباه بثمن ما باع من ماله، ويكون لأبيه أن يحاسبه بما أنفق عليه إن شاء عند ذلك من يوم باع.
وإن كان الأب سفيها مثله يولى عليه لم يجز عليه بيعه وإن لم يكن عليه ولي؛ لأنه لو باع لنفسه لم يجز له بيع؛ لأن كل من كان مثله يولى عليه في سفهه إذا مات أبوه أو وصيه، كان بمنزلة المولى عليه؛ لأن جل الناس يهلكون في الأسفار ويموت الرجل فجأة، ولعل ذلك لا يرفع إلى قاض فيستخلف عليه نظرا له، فيبايع مثل هذا فيذهب بماله، فهذا عظيم فيمن كان في مثل هذا الحد ممن قد ولي عليه إن لم يول عليه بمنزلة واحدة. وليس من مات فجأة أو مات بأرض غربة، أو غفل عن وصية يكون ولده أدنى حرمة ممن أوصي بهم، وهذا عظيم، وهو الذي سمعت من غيري وهو رأيي، والحق بَيِّنٌ نَيِّرٌ.
قال الإمام القاضي: الظاهر من قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن كان الأب ليس بسفيه ولا مولى عليه جاز بيعه، أنه إن كان مولى عليه، لم يجز بيعه ولا فعله وإن علم رشده، خلاف ما تقدم من قوله في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من أن أفعال المولى عليه جائزة إذا علم رشده، فلم يعتبر في رواية عيسى بالولاية ولا بعدمها، واعتبر حاله في حين قضائه، واعتبر في هذه الرواية بالولاية ولم يعتبر بعدمها وهي رواية زونان عنه: أن من لزمته ولاية وصي من أب أو سلطان لا يحلها عنه إلا السلطان.
والمشهور من قول مالك أنه يعتبر بالولاية وبعدمها، فلا تجوز أفعال المولى عليه وإن علم رشده، وتجوز أفعال الذي ليس بمولى عليه وإن علم سفهه، فقف على تحصيل هذه الثلاثة الأقوال، فإنها جيدة دقيقة خفية قل من يعرفها ويحصلها.
وقوله: ولم يكن للابن أن يرده إن كبر إذا كان نظرا له، يدل على أن الأب في بيع عقار ابنه بخلاف الوصي في بيعه عقار يتيمه، إذ لا يجوز للوصي أن يبيع عقار يتيمه إلا لوجوه معلومة قد حصرها أهل العلم بالعد لها.
واختلف الشيوخ المتأخرون هل يصدق الوصي فيها أم لا؟
فقيل: إنه يصدق فيها ولا يلزمه إقامة البينة عليها، وقيل: إنه لا يصدق فيها ويلزمه إقامة البينة عليها.
وأما الأب فيجوز بيعه عقار ابنه الذي في حجره إذا كان بيعه على وجه النظر، من غير أن يحصر وجوه النظر في ذلك بعدد، وفعله في ذلك على النظر حتى يثبت خلافه، مليا كان أو مفلسا على ما نص عليه في الرواية.
وقوله: ويكون لأبيه أن يحاسبه؛ فما أنفق عليه إن شاء عند ذلك من يوم باع- يدل على أنه لا يكون له عنده أن يحاسبه بما أنفق عليه قبل أن يبيع، ومعناه: إذا لم يكتب النفقة، وذلك خلاف لما في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة. وأما النفقة فلا اختلاف أن له أن يحاسبه بها.
وقد مضى في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى تحصيل الخلاف في أفعال السفيه الذي ليس في ولاية، وبذلك تتم المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجلين إذا أسلما إلى رجل في طعام أو عروض فأقاله أحدهما:

وسمعته يقول، وسئل: عن رجلين لهما على رجل حق فوكلا عليه وكيلا فقام، فقال: إنما اقتضيت حق فلان، وقال الغريم: بل دفعت لك حق فلان الآخر، والغريم معدم. فقال: إن كان حقهما واحدا مجتمعا فهو بينهما، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: أما إذا كان حقهما مجتمعا فلا إشكال في أن ما اقتضى الوكيل بينهما وإن اتفقا على أنه إنما اقتضى حق أحدهما فكيف إذا اختلفا في ذلك؛ لأن الدين إذا كان بين الشريكين فاقتضى أحدهما منه شيئا كان لصاحبه الدخول معه فيه، ولا خلاف في هذا أحفظه إذا كان ذلك الدين اشتركا فيه بطوعهما لم يصر لهما من ميراث ولا جناية؛ لأن سحنون يفرق بين الوجهين، فيقول: إنما يكون لصاحبه الدخول معه فيما اقتضى إذا كان ذلك الدين اشتركا فيه بطوعهما إلا ما وقع في كتاب السلم الثاني من المدونة في أن الرجلين إذا أسلما إلى رجل في طعام أو عروض فأقاله أحدهما من نصيبه دون صاحبه أن ذلك جائز وإن لم يرض صاحبه.
فقيل: إن ذلك اختلاف من القول، وقيل: إن ذلك ليس باختلاف من القول وإنه إنما لم ير مالك لشريكه الدخول على شريكه فيما أخذ من غريمهما؛ لأنه إن دخل عليه في ذلك كان كل واحد منهما قد أقاله من بعض حقه فيصير بيعا وسلفا وبيع الطعام قبل أن يستوفى. فلما لم يجز لم ير مالك الدخول على شريكه فيما أقاله فيه.
وفي قوله في المسألة: إن كان حقهما واحدا مجتمعا فهو بينهما- دليل على أنه إذا لم يكن واحدا مجتمعا فلا يكون بينهما. وإذا لم يكن بينهما فالقول قول الوكيل، وهو قول أصبغ، وحكى ذلك ابن لبابة في منتخبه عن ابن القاسم، وروى عيسى عنه في رسم العارية من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات أن ذلك بينهما وإن اختلفا، فقال الغريم قضيت حق فلان، وقال الوكيل بل قبضت منك حق فلان. وكذلك على هذه الرواية لو اتفقا على أنه إنما اقتضى حق أحدهما.
ووجه هذا القول أن الوكيل لا يصدق إذا كان الغريم عديما مفلسا على أنه إنما طلب حق أحدهما إذا لم يكن له على ذلك بينة؛ لأنه يتهم على محاباته والجر إليه، كما يتهم الغريم على ذلك، والأظهر أن القول قوله ولا يتهم في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة غاب عن أهله ثم بعث إليهم بمائة دينار نفقة وعليه دين:

وسئل ابن القاسم، عن رجل غاب عن أهله ثم بعث إليهم بمائة دينار نفقة وعليه دين فطلب الغرماء حقوقهم منها، فقال الرسول قد أوصلتها إلى عياله. هل يعدى الغرماء على عياله أو على الرسول أو يقبل قول الرسول قد دفعت؟
فقال: أرى أن يحلف الرسول على الدفع ويقبل قوله ويعدى الغرماء على أهل الرجل فينتزع منهم إن كان أقاموا عليهم بحضرة ذلك، يريد إن أقروا، وإن كانوا إنما أقاموا بعد ما يرى أنهم قد أكلوها واستنفقوها لبعد ذلك وطوله فلا شيء عليهم، وهو بمنزلة ما ينفق الرجل على عياله وعليه دين، وقاله أصبغ كله.
وإن ادعى العيال أنهم قضوا منه دينا كانوا أدانوه وفي كراء منزل حين قام الغرماء بحدثان ذلك في الحين الذي يجوز لهم القيام، لم يصدقوا إلا أن يأتوا من ذلك ببرهان أو لطخ أو سبب.
قال الإمام القاضي: قوله أرى أن يحلف الرسول على الدفع ويقبل قوله ويعدى الغرماء على أهل الرجل إن أقروا، خلاف المشهور من قول ابن القاسم المعلوم من مذهبه وروايته عن مالك في أن من دفع مالا إلى رجل وأمره أن يدفعه إلى غيره أن عليه ما على ولي مال اليتيم من الإشهاد بقوله عز وجل: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا} [النساء: 6]... الآية، وأنه لا يبرأ من المال ولا يصدق بدفعه إلى المأمور إذا أنكر المأمور القبض، مثل قول ابن الماجشون فيمن بعث ببضاعة مع رجل إلى رجل أنه لا يلزمه الإشهاد في دفعها إليه، وهو مصدق وإن أنكر القابض كانت دينا أو صلة.
ويمكن أن يقول ابن القاسم مثله في المعنى من مسألة اللؤلؤ الواقعة في كتاب الوكالات من المدونة؛ لأنها تقتضي تعمير ذمة الآمر بقول المأمور قد فعلت ما أمرتني به.
وإذا وجب أن يعمرها بقوله قد فعلت ما أمرتني به من الشراء وجب أن تخلى ذمة نفسه بقوله قد فعلت ما أمرتني به من الدفع. وإذا وجب أن تخلى ذمته بقوله فإخلاء أمانته بقوله أوجب.
ومن رواية عيسى عنه في كتاب الخيار في الذي يشتري الثوب من الثوبين على أن أحدهما قد وجب عليه يختاره فيضيع أحدهما فيدعي أنه قد كان اختار هذا الباقي ورضيه أنه يصدق في ذلك.
وقد رأيت للقاضي ابن زرب في هذه المسألة أنه قال إنما صدق الرسول على الدفع؛ لأنه إنما وكله على دفع نفقتهم على ما كان يدفعها هو، وليس من شأن الأزواج والآباء أن يدفعوا النفقات بالبينات إلا أن تكون الزوجة قد رفعت أمرها إلى الإمام فاستعدته على الزوج.
فإن لم يعلم الرسول بذلك ودفع بدون بينة فأنكرت الزوجة حلف وبرئ أيضا، وغرم الزوج للمرأة نفقتها بعد يمينها، ولم يكن له الرجوع على الرسول.
وإن كان الرسول قد علم برفع المرأة أمرها إلى الحاكم ودفع دون بينة فأنكرت المرأة ضمن للزوج؛ لأنه حينئذ متعد بتفريطه.
قال غيره من الشيوخ على قياس قوله ولو ادعى على الرسول أنه علم برفعها إلى الإمام وأنكر ذلك حلف الرسول ما علم بذلك ثم يحلف على الدفع ويبرأ، وذلك كله لا يصح؛ لأن الزوج إنما يصدق في دفع النفقة إلى امرأته إذا ادعى بعد مضي المدة أنه كان ينفق عليها وأنه كان يدفع إليها نفقتها أو ما تنفق منه شيئا بعد شيء أو جملة واحدة.
وأما إن ادعى أنه دفع إليها مائة دينار لتنفق منهما على نفسها فيما يستقبل أو في سنة قد كانت أنفقت على نفسها من مالها فيما مضى وأنكرت ذلك فلا يصدق بإجماع.
فحكم الرسول في المائة دينار التي بعثها الزوج معه إلى امرأته لتنفقها حكمه في ألا يصدق في دفعها إليها إذا أنكرت إلا على ما وصفناه من مذهب ابن الماجشون وما يتخرج على قول ابن القاسم في المسائل التي ذكرناها فإنه يصدق على الدفع ويبرأ، أو تصدق هي فيما زعمته من أنها لم تقبض وتأخذ نفقتها من الزوج، ولا يعدى عليه الغرماء بشيء.
ولو كان القول قول الزوج في دفع المائة إليها لنفقتها وكان الرسول قد حل محله في ذلك على ما زعم ابن زرب لوجب أن يكون للغرماء أن يأخذوا المائة منها وإن أنكرت إذا حلف الرسول على الدفع.
وإلى هذا ذهب وقد خالفه أصبغ بقوله: يريد إن أقروا. فقول ابن زرب خطأ صراح لا خفاء به، ولا وجه للمسألة سوى ما ذكرنا، وبالله التوفيق.

.مسألة يأتي بذكر حق له على آخر بمائة دينار ويأتي المطلوب ببراءة بمائة دينار:

قال: وسمعته وسئل: عن الرجل يأتي بذكر حق فيه شهود على رجل بمائة دينار، ويأتي المطلوب ببراءة بمائة دينار دفعها إليه لا يدري شهودها أكانت قبل ذلك الذكر حق أو بعده، ليس فيها تاريخ. قال: يحلف ويبرأ، يعني صاحب البراءة.
قال أصبغ: يعني يحلف أنها قضاء لذلك الحق ويبرأ. وقاله أصبغ، وهذا هو القضاء وصوابه ولا يجعل له مالين، كما لو كان للحق تاريخ والبراءة بعده بمال دفعه وادعى صاحب الحق أنه غيره لم يقبل قوله، وحلف الآخر أنه هو وبرئ.
وسئل: عن رجل أتى بذكر حق على رجل فيه ألف دينار، فأتى المشهود عليه ببراءة بألفي دينار فزعم أن تلك الألف قد دخلت في هذا عند المحاسبة والقضاء، أو أتى ببراءات مفترقة إذا جمعت استوت مع الذكر الحق أو الذكورات الحقوق أو كانت أكثر أو أقل، وليس شيء من ذلك منسوب ليس فيه شيء يشبه أن يكون من الذكورات الحقوق ولا غير ذلك، ويقول في الأكثر قد دخل فيه على الحساب والقضاء مع غيره، فرأى ذلك كله سواء وأنه له براءة يحلف في ذلك إذا ادعى الآخر غير ذلك، وقاله لي قولا لفظا ثابتا، ويتم له بقية الذكورات الحق إذا كانت البراءات أقل من ذلك.
قال: وهو أحب إلي، وهو الذي أرى وأستحسن. قال أصبغ: ورددتها عليه مرة بعد مرة فثبت على ذلك، وقاله أصبغ كله. فهذا كله باب واحد، وهو كالطلاق وللطلاق تفسير.
قال محمد بن رشد: مساواته في هذه الرواية بين أن تكون البراءة الواحدة أو البراءات أقل من ذكر الحق أو أكثر في أنها براءة للمطلوب، هو المشهور في المذهب الأظهر من الأقوال.
وقد قيل: إنها لا تكون براءة له، وهو قول ابن نافع في سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح، وذلك إذا كانت بينهما مخالطة. وأما إذا لم تكن بينهما مخالطة فلا اختلاف في أنها تكون له براءة. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات.
وتفرقة سحنون في نوازله من هذا الكتاب قول ثالث في المسألة ضعيف لا وجه له. وقد مضى هنالك بيان القول في ذلك.
ومعنى قوله وهو كالطلاق وللطلاق تفسير، هو أن يطلق الرجل امرأته فيدعي بعد انقضاء عدتها أنه قد كان راجعها قبل أن تنقضي عدتها ويأتي برجعة مكتوبة قبل ذلك بمدة لا يعلم إن كانت قبل الطلاق أو بعده، فيقول هي بعد الطلاق، وتقول المرأة هي قبله من طلاق آخر، فيدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في البراءة التي لا يعلم إن كانت متأخرة عن ذكر الحق أو متقدمة عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة يتزوج بصداق مائة فينقدها خمسين ثم يطلقها قبل الدخول:

قال أصبغ: وسألت عن الرجل يتزوج بصداق مائة فينقدها خمسين ثم يطلقها قبل الدخول ويقوم عليه غرماؤه.
قال: يقسم ما أخذت على النصفين النصف الذي لها والنصف الآخر؛ لأنها إنما أخذتها على الجميع، فيسترجع منها نصف ما كانت أخذت يأخذه الغرماء منها وتحاصهم المرأة فيها بتمام نصف صداقها، بمنزلة الرجل يبيع السلعتين أو العبدين بمائة دينار فيقتضي الخمسين ثم تستحق إحدى السلعتين أو العبدين ويفوت الآخر في يد المشتري ثم يفلس، فيفض ما كان أخذ على قيمتهما، فما أصاب المستحق من ذلك أخذه الغرماء؛ لأنه إنما اقتضى ما اقتضى عنهما جميعا، ثم رجع البائع فحاصهم فيه ببقية ثمن الفائت وفي جميع مال المفلس، وقاله أصبغ، وهو بمنزلة السلعتين يبيعهما بمائة أو الرأسين فيقتضي خمسين وتفوت واحدة أخرى فيكون أحق بها، فإن أخذها كانت الخمسون التي اقتضى عنها عليهما جميعا، فرد لهذه التي أخذ خمسة وعشرين فكانت مالا من مال المفلس، ودخل فيها وفي غيرها من ماله مع غرمائه بما بقي من ثمن السلعة الفائتة وهو خمسة وعشرون. وهذا قول مالك وأصحابه وأصح أقاويله وأقاويلهم فيها.
وكذلك مسألة المرأة، وتفسيرها في المرأة أن الخمسين التي أخذت نصفها للنصف الذي يكون لها بالطلاق، والنصف للذي يسقط عنه به؛ لأنه له، ولا يكون عليه؛ لأنها قد قبضتها على البضع كله حين قبضتها حتى يتمه، فلم يتم البضع فعليها رد حصة ما لم يتم تتبع به. فالخمسون تقسم نصفين: نصفها لها على نصف صداقها. ويتبقى لها نصفها وهو ربع الصداق وهو خمسة وعشرون، فترد الباقي وهو خمسة وعشرون، ثم تضرب به مع الغرماء دينا في مال الزوج كله كشيء لم يقبض، فكأنها إنما قبضت خمسة وعشرين ثم طلق قبل التفليس فكانت لها في نصف صداقها، وتتبعه بما بقي، وهي حسنة كلها، وهو قول مالك في الرأسين وهي من غر المسائل.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يتزوج المرأة بصداق مائة فينقدها خمسين ثم يطلقها قبل الدخول ويقوم عليه غرماؤه: إن ما أخذت يقسم على النصفين، يريد: النصف الذي يجب لها بالطلاق، والنصف الآخر الذي لا يجب لها إلا بالموت أو الدخول، فيسترجع منه نصفه؛ لأنها قبضته عما لم يجب لها إذا طلقها قبل أن يدخل بها، كان الذي قبضته النصف أو أقل أو أكثر، إنها ترد أبدا نصف ما قبضت إلى الغرماء، ثم تحاصهم فيه وفي جميع مال الزوج المفلس بما يبقى لها من نصف صداقها.
ومعنى ذلك عندي إذا قام عليه الغرماء قبل أن يطلقها فطلقها، وأما إن طلقها قبل أن يقوم عليه الغرماء فيتخرج ذلك على قولين:
أحدهما: أنها ترد نصف ما قبضت أيضا إلا أن يكون الزوج قد سلم لها جميعه قبل أن يقوم عليه الغرماء، وهو الظاهر من هذه الرواية إذ لم يفرق فيها بين أن يكون الطلاق قبل قيام الغرماء عليه أو بعد ذلك، وهو الذي ينقاس أيضا على أصل ابن القاسم.
والثاني: أنها لا ترد إلا ما زاد على النصف الذي يجب لها بالطلاق إن كانت قبضت أكثر من النصف؛ لأن ما قبضت قد صار في يدها وحازته كالرهن فوجب أن تكون أحق به، وهو الذي ينقاس على أصل أشهب في أن من صار بيده شيء من مال غريمه فهو أحق به من الغرماء كالرهن وإن لم يرهن إياه.
وهذا كله على القول بأن المرأة لا يجب لها بالعقد إلا نصف الصداق وأنها إن قبضت جميعه فالغلة بينهما والضمان عليهما، وأما على القول بأن الغلة لها والضمان منها فلا إشكال في أنها لا ترد إذا طلقت وقام على الزوج الغرماء إلا ما زاد على النصف الواجب لها بالطلاق.
وقد اختلف إذا فلس الزوج قبل الدخول فحاصت المرأة الغرماء بجميع صداقها ثم طلقها، فقيل: إنها ترد نصف ما صار لها في المحاصة؛ لأنها حاصت بجميع صداقها وإنما كان لها أن تحاص بنصفه، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في المدنية، فقف على افتراق هذه الوجوه الثلاثة إذا طلق قبل أن يقوم الغرماء عليه، أو إذا طلق قبل أن قام الغرماء عليه وقبل المحاصة، وإذا طلق بعد أن قام الغرماء عليه وبعد المحاصة.
وأما مسألة الذي يبيع السلعتين بمائة دينار فيقتضي خمسين ثم تستحق إحدى السلعتين وتفوت الأخرى في يد المشتري ويفلس المشتري، فإن فلس قبل استحقاق السلعة فض ما كان أخذ على قيمتها قولا واحدا، وإن فلس بعد استحقاق السلعة فعل ما ذكرناه مما يتخرج في ذلك من الاختلاف إذا فلس الزوج بعد الطلاق وقول أصبغ في المسألة التي ساقها عليها وشبهها بها، وهذا قول مالك وأصحابه، وأصح أقاويله وأقاويلهم كلام فيه نظر؛ لأن قوله: وهذا قول مالك وأصحابه، يقتضي أنهم اتفقوا عليه. وقوله: وأصح أقاويله وأقاويلهم، يقتضي أن أقاويلهم اختلفت في ذلك.
فمعنى الكلام: وهذا مشهور قول مالك وأصحابه وأصح أقاويله وأقاويلهم؛ لأن الاختلاف في ذلك معلوم من قوله وقول أصحابه، وقد ذكرنا ذلك في رسم قطع الشجر من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.